فين الدعم الجوي وليه مايبقاش في طيران مخصص لكل كمين ؟
هما الإرهابيين مابيخلصوش ليه ؟
أكثر الأسئلة الاستنكارية التي يتم إثارتها بعد أي حدث إرهابي، يتبعه قيام القوات المسلحة / الشرطة بتنفيذ ضربات جوية او مداهمات لأوكار او مناطق التجمع او الإختباء العناصر الإرهابية المسؤولة عن هذا الحدث. ورغم أن البعض ممن لديهم إطّلاع ومعرفة بقدر كافٍ قد يعتبرهما في غاية السذاجة، إلا أنها في حقيقة الأمر في غاية الأهمية وتستوجبان الشرح والتوضيح.
في الحروب التقليدية أو النمطية Conventional / Symmetric Warfare والحروب الغير نظامية او الغير نمطية Irregular / Asymmetric Warfare ( تُعرف أيضا بحرب العصابات Guerrilla Warfare ) يكون القاسم المُشترك بينهما في الإستعداد والتجهيز المُسبق للتصدي لأي هجوم، هو المعلومات Intelligence / Information، التي بناءا عليها يتم تحديد تفاصيل الهجوم المُنتظر، كعدد الأفراد وطبيعة تسليحهم وتجهيزهم، وأين ومتى سيحدث الهجوم، وهل سيكون الوحيد أم سيتبعه عدد آخر من الهجمات، وهل ستكون على نفس الموقع ام في مواقع أخرى ؟ وهل ستكون بنفس النمط والتكتيك والكثافة ام ستكون مختلفة ؟ .. إذا المعلومة هي الأساس.
في الحرب التقليدية، يكون العدو ظاهراً واضحاً، مُتمثلا في جيش نظامي مماثل، وبالتالي تكون مراكز ونقاط تجمعه وإنطلاقه معروفة بنسبة كبيرة، ويسهل استطلاع قواته وجمع كم وافر من المعلومات عن تفاصيله، كاللغة، العقيدة، الأيديولوجية، التسليح، التجهيز، الحجم، الإحتياطيات الإستراتيجية، ومسارات الحركة .. إلخ. وبالتالي فإنه يمكن زرع عناصر إستخباراتية في صفوف العدو وداخل قواعده، لجمع المعلومات المطلوبة. وإذا كان هذا العدو يحتل أرضاً وطنية او صديقة، فيُمكن الإستعانة بأبناء هذه الأرض ليكونوا مصدرأ إضافياً للمعلومات، إعتماداً على وطنيتهم وكونهم رافضين لهذا الإحتلال. ( مثال : عمليات الإستطلاع خلف خطوط العدو والتجسس المصرية داخل سيناء وفي الأراضي الفلسطينية المُحتلة ضد إسرائيل قبل وأثناء حرب أكتوبر )
في الحرب الغير نظامية، يكون العدو كالأشباح، لا يمتلك مراكزاً ولا قواعداً ثابتة، فهو عبارة عن جماعات مُسلحة او مليشيات او قوّات شبه عسكرية Paramilitary / Militia، تعتمد على تكتيكات التخفي والإختباء والكر والفر، والحركة والتنقل الدائمين، وحرب العصابات داخل المدن والمناطق الزراعية والجبلية، ويدخل في مكوّنه بنسبة كبيرة أبناء نفس الأرض التي يسيطر عليها او تلك التي يمارس عليها أنشطته القتالية، فنجد أن أفراده يتشابهون مع المدنيين في الشكل والعادات واللغة والدين، أي أنه يجد الحاضنة الشعبية، والملاذ الآمن للإختباء. بل إن أساس الحرب الغير نظامية، أن العدو يستهدف السيطرة والتاثير على المدنيين بشكل مُباشر، بعكس الحرب التقليدية التي يكون فيها المدنيين إلى حد كبير في معزل عن الإقتتال الدائر بين الجيشين النظاميين. ( مثال : مناطق” العريش – الشيخ زويد رفح ” بشمال سيناء ~ حرب أفغانستان ~ حرب العراق ~ حرب الشيشان ~ حرب أيرلندا الشمالية – حرب جنوب لبنان [ مع إختلاف مٌسببات الحروب ودوافعها في كل منطقة ] )
يعتمد العدو الغير تقليدي على الإختباء داخل الكهوف الجبلية، المناطق الزراعية، الأنفاق والخنادق والسراديب تحت الأرض، العشش والمنازل، والمنشآت المهجورة. بالتالي، فإن عملية جمع المعلومات وزرع العناصر الإستخباراتية مع هكذا عدو، تكون غاية في الصعوبة، نظراً لعدم وجود مناطق تمركز ثابتة لعناصره، ولسهولة إندماجه في الوسط المدني المحيط، ولسهولة وقدرة كشفه أي غرباء او دخلاء على المنطقة التي ينشط بها، مما يرفع من نسبة تعرض عناصر الإسختبارات والإستطلاع وجمع المعلومات لخطر الكشف وخسارتهم.
إذا، فلا يُمكن أبدا تحديد مواقع او مناطق تمركز وإختباء هذه العناصر قبل تنفيذها للعمليات، إلا فقط في حال توافر معلومات مُبكرة ومُسبقة عن هذه العمليات، والتي يتم الحصول عليها، إما من خلال تعاون أبناء المنطقة ( مندوبين – مرشدين – قصاصين أثر ) او من خلال إعتراض إتصالات لاسلكية بين هذه العناصر وبعضها البعض، تتضمن معلومات عن تنفيذ العملية، او من خلال رصد لتحركات هذه العناصر بشكل مُبكر يسمح بسرعة إتخاذ الإجراءات اللازمة من تنفيذ ضربات إستباقية ومداهمات تحول دون تنفيذهم لمخططاتهم. ولكن، هذه التنظيمات أيضا لديها وسائلها للحيلولة دون تعرضها للرصد، كإعتمداها على عناصر استطلاع بشرية ذات مظهر غير مثير للشك، كالنساء، او الأطفال وصغار السن من الشباب ذات الفئة العمرية التي لا تتجاوز 16 – 18 عاماً، والذين تتحدد مسؤولياتهم في المراقبة الدائمة لتحركات القوات على الأرض ومواضع إرتكازاتها ودورياتها الأمنية وأبراج المراقبة، وحركة الطيران الحربي، وخاصة مسارات المروحيات والطائرات بدون طيار ( تُعرف في شمال سيناء باسم ” الزنانة ” )، التي يتم استخدامها بشكل مُكثّف في عمليات الإستطلاع والمراقبة، وبناءا على ماسبق، يتم رسم مسارات حركة جديدة لتلك العناصر تضمن لهم تجنّب التعرض للرصد بأقل نسبة ممكنة، وتساعدهم على الوصول لأهدافهم بشكل آمن، وتحقيق عنصر المفاجأة. وبالتالي فإن الأمر كما هو سالف الذكر، يعتمد في المقام الأول على المعلومات. والغلبة لمن يمتلك القدر الأكبر من المعلومات.
العناصر الإرهابية قبل تنفيذها لأية عملية، تقوم بدراسة مُكثّفة للهدف من حيث :
1- الموقع ( قريب / بعيد من باقي الارتكازات والأكمنة – في منطقة تسمح بسهولة الحركة للهجوم والانسحاب – قريب / بعيد من المسارات المعتادة لدوريات المراقبة الجوية )
2- الحجم ( هدف ضخم يتكون من إنشاءات وأبراج ومركبات مدرعة – دبابات … إلخ او مجرد كمين / ارتكاز امني بسيط مكون من عدد 1-2 مركبة / عدد بسيط من المركبات او كمين جديد مازال في طور التكوين والتجهيز ولم يستكمل بعد ؟ )
3- نوعيات وطبيعة تسليح وتجهيز الهدف ( أبراج مراقبة ؟ تحصينات هندسية ثقيلة / متوسطة / خفيفة ؟ دبابات ؟ مدرعات خفيفة / متوسطة ؟ رشاشات ثقيلة ( 12.7 مم / 14.5 مم ) او مدافع عيار 23 ؟ تسليح فردي يشمل القناصة وقواذف الآر بي جي وقواذف القنابل ؟ )
4- طبيعة تحركات ونشاط الأفراد وتجهيزاتهم الفردية داخل الكمين / الارتكاز ( وخاصة التزامهم بارتداء الفيستات والخوذ الواقية من الرصاص وامتلاكهم لأجهزة الرؤية الليلية )
بعد دراسة ما سبق تشرع العناصر الإرهابية في التخطيط والإعداد والتجهيز والتدريب، وتتمركز في نقاط إرتكاز وإنطلاق يتم إعدادها بشكل مُسبق، بحيث تكون قريبة من الهدف المنشود، لسهولة الحركة وتقليل الزمن المطلوب للوصول للهدف، وللحيلولة دون التعرض للرصد واتخاذ رد الفعل المناسب، ويتم إخفاء ودفن الأسلحة والمركبات في تلك النقاط، في عشش او خنادق او مخابىء، يتم تغطيتها بأفرع الشجر او أغطية مموهة ذات الوان مماثلة للرمال او الزراعات المحيطة، ويمكن كذلك الإختباء داخل منازل قريبة في حال وجود ظهير سكني، يقطنها من هم داعمين لتلك العناصر او من خلال إجبار ساكنيها على التعاون معهم تحت تهديد السلاح، أو أنها منازل مهجورة من الأساس.
تعتمد العناصر الإرهابية في تنفيذها للهجوم على العدد والتحرك من مختلف الاتجهات المحيطة بالهدف باستخدام الخطوات الآتية بالترتيب :
1- التعامل الكثيف على الكمين بالرشاشات الثقيلة عيار 12.7 مم / 14.5 مم والقناصة من مسافات متوسطة، واطلاق قذائف الهاون إن توافرت، بهدف المشاغلة والارباك واحداث أكبر قدر من الخسائر من مسافات آمنة نسبيا
2- استخدام مقذوفات الآر بي جي لضرب الأبراج والمركبات المدرعة
3- الدفع بالسيارات المفخخة ( إن توافرت، مع تزويدها بألواح الصلب لمقاومة الطلقات ) والدراجات النارية التي يقودها عناصر انتحارية مزودة بأحزمة ناسفة او عناصر مسلحة بالبنادق الهجومية ( AK 47 ) لاقتحام الكمين ( بتتابع زمني محدد ) مستغلين انشغال افراد القوات المسلحة / الشرطة في تفادي قذائف الهاون والآر بي جي إلى جانب اشتباكهم مع العناصر المسؤولة عن المشاغلة
4- إذا نجح الاقتحام يتم القضاء على من تبقى من الأفراد داخل الكمين مع استغلال اصاباتهم وحالة الارتباك الناتجة عن انفجار السيارات المفخخة / العناصر الانتحارية ( الانغماسيين ) او الناتجة عن سقوط قذائف الهاون واصابة قذائف الار بي جي للأبراج / المدرعات
5- إذا نجح أفراد قوة الكمين / الارتكاز في التصدي للهجوم واحباط محاولة اقتحامه وتدمير السيارات / الدراجات النارية وقتل الانغماسيين، تنسحب على الفور العناصر المسؤولة عن المشاغلة سالفة الذكر
تعتمد العناصر الارهابية في تنفيذ الهجوم على السرعة، سواء نجحت او فشلت، للانسحاب قبل وصول الدعم الجوي والأرضي، ولكنها تترك وراءها الكثير من الآثار والأدلة التي تساعد على التوصل لمواقعها. فمن أهم العوامل المساعدة، هي شهادة الشهود من المتواجدين في محيط مسرح العملية او بالقرب منها، وكذلك المصابين، سواء من أفراد الكمين، او من المُنفذين أنفسهم إن وُجدوا، ويتم الإستعانة بالمرشدين وقصاصي الأثر من أبناء المنطقة وعناصر الإستخبارات والاستطلاع ممن لديهم الخبرة والمعرفة لتحديد كافة التضاريس المحيطة من مناطق زراعية ومنازل وقرى مجاورة وطرق ومدقات ووديان ومرتفعات، بخلاف الآثار المُتخلّفة عن إطارات السيارات التي تستعين بها تلك العناصر في فرارها، وغيرها من الآثار التي يمكن الإعتماد عليها في عمليات التمشيط والبحث.
تبدأ عملية جمع كافة المعلومات Intel Gathering، تحليلها Analyse، تقييمها Assessment، فرزها Categorize، وترتيبها بحسب الأولوية والأهمية Prioritize، وذلك من خلال أجهزة او منظومات إدارة جمع المعلومات Intelligence Collection Management، ثم تتزوّد بها كافة وسائل الإستطلاع والبحث والمسح والقتال الأرضية والجوية والبحرية ( في حال مُتاخمة مسرح العمليات لمنطقة ساحلية )، من عناصر المشاة والقوات الخاصة المدعومة بالمركبات المدرعة والدبابات، القطع البحرية، الطائرات بدون طيار الإستطلاعية / المُسلحة، المروحيات الهجومية والإستطلاعية، الطائرات المقاتلة، طائرات الحرب الإلكترونية المُختصة بمهام المراقبة والإستطلاع الإلكتروني الراداري والإشاري والمسح الجوي، وكذلك الأقمار الصناعية -في حال توافر تلك القدرة- ليتم مايُعرف بعمليات ” ISTAR ” او ” الإستخبار، المسح، تحديد وإمساك الأهداف، والإستطلاع Intelligence, Surveillance, Target Acquisition, & Reconnaissance “.
تتضمن تلك العمليات إستخدام أنظمة الرصد والتصوير البصري والحراري Thermal / Electro-Optical Imaging، وأنظمة رادار البؤرة الإصطناعية Synthetic Aperture Radar SAR المميز بالتصوير بإستخدام الموجات الدقيقة Microwave Imaging، والتي توفر قدرة مسح واسع النطاق للتضاريس الأرضية بكامل تفاصيلها ورسم الخرائط الإلكترونية عالية الدقة، ورادارات كشف وتحديد الأهداف الأرضية المتحركة Ground Moving Target Indicator GMTI المُستخدمة في تمييز المركبات عن الأهداف الثابتة كالأشجار والتلال، وأنظمة الإستخبار الإشاري Signal Intelligence المرموز لها بـ ” SIGINT ” المُنقسمة إلى إستطلاع وإعتراض الإتصالات Communication Intelligence COMINT، وإستطلاع وإعتراض إنبعاثات الرادار Electronic Intelligence ELINT، وبذلك يتم تحديد أماكن تلك العناصر بواسطة المنصات والوسائل الإستطلاعية سالفة الذكر، والتي تقوم بتزويد منصات القتال الصديقة بإحداثيات الأهداف، والتي تقوم بإستخدام الصواريخ والذخائر المناسبة لقصف وتدمير تلك الأهداف، بحسب طبيعتها وموضعها، سواء كانت أهدافاً ثابثة او متحركة، واضحة او مُتخندقة ومُتحصّنة، او يتم التعامل مع الأهداف بواسطة عناصر العمليات الخاصة من الشرطة او القوات الخاصة من الجيش في من خلال تنفيذ عمليات اقتحام نوعية ودقيقة.
* فيما يتعلق بعملية الأمس ضد كمين ” البطل ” وفي حال كان التسجيل المزعوم للشهيد البطل الملازم أول / عمر القاضي، المتداول في وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى بدونه، وبالاعتماد على ما أسلفته في الخطوات المتبعة لدراسة الهدف والهجوم عليه، وباحتساب عدد العناصر الارهابية التي تم القضاء عليها ( 19 ) يُمكننا استنتاج الآتي :
1- تم استخدام الرشاشات الثقيلة والقناصة ومقوذفات الآر بي جي ضد قوة الكمين، والتي كانت -بكل تاكيد- اقل عددا من العناصر المهاجمة.
2- هذا الكمين إما أنه كان متحركاً وليس ثابتا ( يعتمد على 1 – 2 مركبة ) او كان كمين / ارتكاز ثابت كان في طور التكوين والتجهيز.
3- الهجوم لم يستغرق إلا دقائق وليس ساعات كما يدّعي مروجي الاشاعات.
4- نفاذ الذخيرة لدى الأفراد -إن صح- لا يعني عدم توافر صناديق ذخيرة إضافية بل يعني نفاذ ما يحملونه معهم من مخازن الذخيرة الإضافية ( كل فرد لديه عدد معين من مخازن الذخيرة الإضافية لسلاحه تكون ملحقة على الفيست التكتيكي / حامل المهمات ) مع عدم تمكنهم من الوصول لصناديق الذخيرة الإضافية التي تكون داخل المركبات، وذلك بسبب الكثافة النيرانية العالية من العناصر المهاجمة والتي تجبرهم على التحصن في أماكنهم لتنعدم قدرتهم على التحرك او التنقل من مكان لآخر.
5- مًصطلح ” غربل الكمين ” يتم استخدامهم في حال تعذر قوة الكمين عن صد الهجوم ونجاح العناصر الإرهابية من الوصول لمحيطة / السيطرة عليه، لتقوم القوات الصديقة بغمره بالنيران أيا كانت نوعياتها وأعيرتها لتدميره بكل من فيه وما فيه والحيلولة دون سقوطه في إيدي العناصر التكفيرية وقيامهم بتصوير العملية لنشرها في إصداراتهم المرئية، أي حرمانهم من أي نصر مهما كان الثمن، حتى لو حساب أرواح قوة الكمين، مما يدل على شجاعة هائلة وعقيدة صلبة راسخة لمتخذ هذا القرار.
6- الدعم الجوي كان موجودا بدليل تدمير المركبة المدرعة التي حاولت العناصر الإرهابية السيطرة عليها والإفلات بها، وبدليل تتبع من تبقى من العناصر الإرهابية والقضاء عليهم مساء نفس يوم تنفيذ العملية، وبنسبة كبيرة جدا كان هذا الدعم متمثلا في الطائرات الاستطلاعية / المسلحة بدون طيار.
من لا يزال مُشككاً في تجهيزات الكمائن والارتكازات الأمنية او في الدعم الجوي، ويقوم بالتنظير ليلا ونهاراً ويُملي على القوات المسلحة والشرطة مايجب ومالا يجب فعله، يحتاج إلى مراجعة حقيقية مع النفس. ففي حقيقة الأمر هو يجهل كافة التفاصيل المتعلقة بسلاسل الكمائن وأعدادها وطبيعة تجهيزاتها وتحصيناتها من الرشاشات الثقيلة والدبابات والمدرعات ووسائل المراقبة البصرية والحرارية، والتي تسببت في فشل هائل للعناصر الإرهابية في مهاجمتها واقتحامها على مدار السنتين الأخيرتين، وحقيقة أن دوريات الطيران لا تتوقف يوميا، بكل ما تكلفه من أعباء الصيانة والوقود والدعم الفني والذخيرة .. إلخ.
المتابع بشكل جيد للمشهد وسير العمليات، وخاصة بعد انطلاق العملية الشاملة العام الماضي، سيلاحظ أن النشاط الإرهابي قد وصل لأقل مستوياته مقارنة بمستويات ماقبل ذلك وتحديدا في الفترة ” 2013 – 2016 ” التي بلغ فيها النشاط الإرهابي في شمال سيناء مبلغه. ففي الواقع، وبدلا من أن نسأل ” ليه لسة في عمليات بتحصل ” وبدلا من تضييع الوقت في جلد الذات وتوزيع الاتهامات بالتقصير وخلافه .. علينا أن نسأل انفسنا السؤال الادق والاصح ” كم عملية تم احباطها في مقابل العمليات التي نجحت ؟ وهل حققت العملية الأخيرة مبتغاها ؟ ” او ” ماهي نسبة النشاط الإرهابي في الوقت الحالي مقارنة بما سبق في ظل العمليات العسكرية والأمنية في الآونة الأخيرة ؟ “.
لو كان الإرهاب عزيزي القارىء وعزيزي المشكك وعزيزي جلّاد الذات، لكنا رأينا مدنا وقرىً تسقط في قبضة التنظيمات الإرهابية واعلاما سوداء ترفع فوق مبانيها معلنة عن انفصالها عن حدود الدولة المصرية، ولرأينا إنزالا لقوات التحالف الدولي إنزال على سواحل سيناء لتحرير العريش وبئر العبد وطيراناً أحنبية يقصف تنظيم داعش في شرم الشيخ او دهب او الحسنة ولسمعنا عن قيام القوات المسلحة بتحرير العريش او رفح من قبضة تنظيم داعش كما نسمع ونرى في دولٍ أخرى في المنطقة .. ولما كنا لترى قناة سويس جديدة ولا محور ولا انفاق ولا تنمية ولا سحارة سرابيوم ولا تطوير لمطار المليز ولا إنشاء أكبر مجمع صناعي للرخام والجرانيت في الشرق الأوسط .. كنا سنعيش واقعا سنتمنى انه مجرد كابوس طويل سنصحى منه .. وبالمناسبة، من أين للدولة أنها مُتجهة لتنمية شمال سيناء وربطها بمشروع تنمية محور قناة السويس ومن أين أنها ستقوم بإخلاؤها لمنح أرض إضافية للفلسطينيين ضمن ما يُسمى بـ” صفقة القرن ” ؟ .. قمة المسخرة ..
أخيرا، وردا على سؤال ” الإرهابيين مش بيخلصوا ليه ” .. في شهر يونيو عام 2010، المُحاضر الإيطالي في جامعة بولونيا بإيطاليا والحاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة أوهايو في الولايات المتحدة، الدكتور / لوريزنو زامبيرناردي Lorenzo Zambernardi، أصدر دراسة هامة في مجلة ” THE WASHINGTON QUARTERLY ” الفصلية الصادرة كل 3 أشهر والمُختصة بالشؤون الدولية والمتغيرات الاستراتيجية العالمية، تحت عنوان ” المُعضلة الثلاثية المستحيلة في مكافحة التمرد The Impossible Trilemma of Counterinsurgency “.
في دراسته يقول الدكتور زامبيرناردي، إن مكافحة التمرد ( مكافحة الإرهاب ) تتضمن 3 أهداف رئيسية، ولكن في التطبيق الواقعي والعملي، العملية دي بتتطلب اختيار هدفين فقط من أصل ثلاثة. وهو مايُعرف بالمُعضلة الثلاثية المستحيلة في مكافحة التمرد.
* في علوم الاقتصاد يُعرف مُصطلح ” المُعضلة الثلاثية المُستحيلة The Impossible Trilemma ” بـ” الثالوث الغير مُقدس Unholy Trinity ” او ” المُعضلة الثلاثية للاقتصاد الحر Open-Economy Trilemma “، وبيتم استخدامه للتاكيد على أن الإقتصاد مستحيل يحصل في وقت واحد على (1) سياسة نقدية مُستقلة (2) حرية في حركة رأس المال (3) سعر صرف ثابت.
في مجال مكافحة التمرد او الارهاب Counterinsurgency / Counterterrorism، المُعضلة الثلاثية في النوع ده من الحروب الغير نمطية، بتعبر عن إستحالة تحقيق 3 شروط في وقت واحد وهي :
1) حماية القوات والحفاظ على أرواح الأفراد المقاتلين.
2) التفريق او التمييز بين مقاتلي العدو وبين المدنيين.
3) التصفية الجسدية للعناصر المتمردة / الإرهابية.
لكي نحقق شرطين لابد أن نتخلى الشرط الثالث، والذي يستحيل تحقيقه بنسبة نجاح مرتفعة. فيُمكن للقوات المسلحة، أن توفر الحماية لأفرادها خلال المواجهات، ولكن سيكون ذلك في مقابل القتل العشوائي للمدنيين متضمنين العناصر الإرهابية التي تتذخ الوسط السكني كحاضن وملاذ آمن لها وكدروع بشرية ضد أية محاولات للتعامل معاها من قبل قوات إنفاذ القانون من الجيش أو الشرطة.
وفي حال العمل على تحقيق شرط حماية المدنيين جنبا إلى جنب مع حماية أفراد القوات المسلحة، سيكون ذلك على حساب تحقيق معدلات تصفية ملموسة ضد العناصر الإرهابية، وبالتبعية ستستنزف عمليات مكافحة الإرهاب مزيد من الوقت والمجهود.
وهنا بيتساءل الدكتور لورينزو عن أي الشروط الواجب على الدولة تحقيقها في حربها ضد الإرهاب / المتمردين ؟ هل تتخلى الدولة عن شرط التصفية للإرهابيين مقابل حماية أرواح المدنيين وجنودها سواء ؟ ام تصفية العناصر الإرهابية هو أمر في غاية الأهمية لدرجة انه يمكن التضحية بشرط الحفاظ على أرواح المدنيين او شرط الحفاظ على أرواح القوات، ويكون مُستحق للثمن اللازم دفعه ؟
من المؤكد أنه في الحروب الغير نظامية او الغير نمطية Irregular / Asymmetric Warfare، تكون العناصر الارهابية مُختلطة ومُندمجة وسط المدنيين، ويصعب تمييزهم، وتكون هناك نسبة مرتفعة من الخسائر البشرية في أرواح الأبرياء. وفي وسط الحرب الدائرة والجهود المبذولة من الدولة لمكافحة الإرهاب، يتسبب سقوط الأبرياء في نتائج عكسية على المستوى السياسي، وعلى المستوى العملياتي على الأرض، لأنه يمنح الفرصة للعناصر الإرهابية في الحصول على المزيد من التعاطف والحاضنة الشعبية في البيئة السكانية المحيطة، وبمعنى آخر، يكون الناتج هو مفرخة لمزيد من العناصر الإرهابية اللي تسعى للإنتقام. وبالتالي، خيار التضحية بالمدنيين يكون غير محمود نهائياً.
الخيار الثاني المتعلق بعدم تصفية العناصر المتمردة / الأرهابية ومحاولة الوصول معها لحل أو تسوية سياسية، هو مثالي في بعض الظروف او عند بعض الدول، إلا انه لا يصلح نهائياً مع عناصر ذات مرجعية إثنية ودينية مُشوّهة وعقيدة تكفيرية تلفظ كل ماهو مُخالف لها في الفكر والعقيدة ولا يمكن معه عمل المراجعات الفكرية او الوصول لأية تسويات سياسية. ( الفكر التكفيري لكل المجتمع بمسلميه ومسيحييه وتكفير الحاكم والجيش والشرطة وحلم إقامة دولة الخلافة )
الخيار الثالث يقوم على التضحية بفكرة حماية القوات المسلحة والحفاظ على أرواح أفرادها في مقابل تصفية العناصر الإرهابية والتمييز بينها وبين المدنيين الأبرياء، ولكن بالطبع سيكون على حساب أرواح الأفراد والمقاتلين وعلى حساب المعدات العسكرية.
الدكتور لورينزو يرى ان التركيز على التمييز بين المدنيين الأبرياء والعناصر الإرهابية والذين يتشابهون في الشكل والدين والعادات واللغة، يمكن أن يكون الحل الأفضل، وخاصة أنه يضمن تعاون السكان مع القوات المسلحة في حربها ضد الإرهاب، مما بيساعد على لفظ العناصر من حاضنتها الشعبية بشكل أسرع. ولكن في المقابل، سنجد ان تنفيذ العمليات سيكون بوتيرة أبطأ، بخلاف فقدان المزيد من الأرواح بين صفوف قوات إنفاذ القانون اثناء المواجهات.
إذا ألقينا نظرة على الوضع في شمال سيناء وطبقنا تلك الدارسة عليه، سنجد أن القوات المسلحة / الشرطة تستخدم الخيار الأكثر نُبلاً وإنسانية، وهو الحفاظ على أرواح المدنيين بأقصى درجات ضبط النفس في التعامل مع العناصر التكفيرية، في مقابل طول أمد المواجهات وسقوط أعداد من الشهداء والمُصابين، أثناء تنفيذ العمليات، ولكن على الناحية الآخرى، يضمن هذا الخيار تصفية أعداد اكبر من العناصر التكفيرية على المدايات المتوسطة والبعيدة وكذا تحقيق السيطرة على الارض بشكل أفضل مع تقديم التعاون من المواطنين والقبائل من أبناء المنطقة.